“الإسلام الديمقراطي”.. صرخة أم استراتيجية أم تطرف باتجاه مغاير؟

 
 الندوة تناولت السبل الكفيلة بدعم فكرة البحث عن القواسم المشتركة بين الإسلام والديمقراطية
                                              
يأتي بحلته الجديدة، وبطرحة الديمقراطية البيضاء، ولكن السؤال من أجل من؟ هل ليقتنع به الغرب، أم بغية صناعة ذات إسلامية بهيكل ديمقراطي قادر على انتشال الإسلام من معمعة التطرف والإرهاب والقمع الذي صبغه الإعلام الدولي به في الحقبة الزمنية الأخيرة؟
يعتقد البعض أن المناهج والمعاهد الشرعية، وغياب منهجية الإسلام الديمقراطي بين صفحاتها، هي التي كان لها دور كبير في ولادة “الجماعات المتطرفة”، في حين يعزو بعض آخر هذه الجماعات لمخططات استخباراتية عالمية، ودعم إعلامي مدروس يهدف للنيل من الإسلام عبر هذه الجماعات.
ما هي حقيقة الإسلام الديمقراطي؟ وهل تعني إخضاع جميع القوانين الإسلامية المشرّعة لطاولة الاستفتاء النيابي، أم أنها تؤمن بشرعيتها، ولكن بالوقت ذاته تعتقد أنه لا يمكن فرض الإسلام إلا بعد قبول الأغلبية به؟ وهل تعتبر الرهبانية السياسية أحد أركان الإسلام الديمقراطي؟ وماذا عن هذه التحركات الساعية لإحياء فكرة الإسلام الديمقراطي، هل هي استعراض في وجه التطرف أم استراتيجية متكاملة؟ أم هي تطرف ديني ولكن باتجاه مغاير؟
– صرخة أم استراتيجية؟
عقد عدد من المفكرين وقادة الرأي والمثقفين السوريين ندوة، الجمعة، بمدينة إسطنبول التركية، بإشراف النائب السوري السابق، الدكتور محمد الحبش، وبمشاركة رياض درار ورياض نعسان آغا، وزير الثقافة الأسبق في سوريا، تناولت السبل الكفيلة بدعم فكرة البحث عن القواسم المشتركة بين الإسلام والديمقراطية، كخطوة أولية في إعادة تأهيل الواقع الإسلامي ووضع حدّ للتشوهات التي ألحقت بالإسلام بالآونة الأخيرة، بحسب محاضرين.
وكان جودت سعيد، المفكر الإسلامي والملقب بغاندي العرب، المشهور بتنظيره للسلمية، أحد أهم الوجوه البارزة التي حضرت الندوة.
محمد الحبش، المفكر الإسلامي، وصف هذا اللقاء بـ”اللحظة المهمة في تاريخ الفكر والثقافة الإسلامية، عنوانها القيم المشتركة بين الديمقراطية والإسلام، تتجه لإصلاح الخطاب الإسلامي وأيضاً لإصلاح الخطاب الديمقراطي. فالديمقراطية، تقف اليوم عاجزة بائسة أمام عذابات السوريين، وهي بحاجة إلى إصلاح ومواجهة حقيقية. بالوقت ذاته فإن الخطاب الإسلامي الذي يتبنى العنف سبيلاً لقيام الحاكمية والحدود، هو أيضاً بحاجة لإصلاح ومواجهة”.
بالسياق، أكد المحامي عمار تباب، المنسق العام للجنة التحضيرية ومدير هيئة العدالة الانتقالية بالحكومة المؤقتة، لـ”الخليج أونلاين”، أنه تم الاتفاق مع البعض على اختيار النواة المبدئية لتيار يجمع بين الإسلام والديمقراطية، وذلك بتكليف لجنة مختصة “تشرف على تحويل هذه الصرخات لرؤى سياسية ومشاريع استراتيجية قادرة على الانتقال بالفكرة لحيز النموذج الذي باستطاعته مخاطبة العالم، والخروج بالإسلام التنويري من خلف قضبان الرهبنة السياسية”، مضيفاً: “مع الحذر أثناء صياغة الرؤى والمشاريع والخطط الاستراتيجية من التطرف بالاتجاه المعاكس للتيار المقابل”.
– اكتشاف الديمقراطية
التعريف الشائع لمفهوم الديمقراطية، هو أنها شكل من أشكال الحكم، يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة؛ إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين، في اقتراح القوانين، وتطويرها، واستحداثها. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي بحسب مراجع سياسية.
جودت سعيد، منظر السلمية، أكد في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين” الذي غطى الفعالية، “أنّ الديمقراطية شكلت انقلاباً اجتماعياً كبيراً في العصر الحديث، فبعد أن كانت الملوك لا حدود لسلطانها صارت الشعوب هي المصدر الأساسي للسلطة. للأسف من صنع الديمقراطية هم غير المسلمين وغير المتدينين. صنعتها العقول التي استيقظت؛ فهذه العقول ابتكرت وسائل لنقل البشر والأشياء بدل الخيل والبغال، وهؤلاء أنفسهم من ابتكر الديمقراطية كوسيلة لنقل السلطة غير القتل والإبادة والوراثة. هذا الابتكار الاجتماعي في نقل السلطة هو التوحيد الذي جاء به الأنبياء، وضيعه أتباع الأنبياء”.
– الإسلام الديمقراطي
محمد الحبش، المشرف العام للمؤتمر، أوضح لـ”الخليج أونلاين” الأسس التي يقوم عليها “الإسلام الديمقراطي” بالقول: “النص نور يهدي وليس قيداً يأسر، نحن أبناء الشريعة والنصوص التي لا تموت، وإصرار البعض على التمسك بظاهر النص، يعني إصرارهم على الخروج من التاريخ”.
وأضاف الحبش: “ظاهرة لا حكم إلا لله وحاكمية الشريعة، هو اغتيال للعقل وتحويل الشريعة لحالة ميتة نطوف حولها، فموت جبريل ليس هو نهاية التشريع كما يظن البعض. علينا أن لا ننسى أن النبي صلى الله وعليه وسلم نسخ 21 آية من القرآن، وأن الإمام السيوطي أجاز نسخ القرآن بالإجماع؛ أي نسخ النص بإرادة الشعب. أما الحديث عن أن النص صالح لكل زمان ومكان فهي أسطورة لا أساس لها من الصحة، فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله”، على حد وصفه.
في السياق ذاته، وتعريضاً بأطروحة أحمد طعمة، رئيس الحكومة السورية المؤقتة وأحد المشاركين في المؤتمر والتي تساءل فيها: “عندما نريد أن نحاور المتشددين، هل نمتلك نحن منظومة فكرية مقنعة نستطيع أن نقنعهم بها؟”، أجاب الحبش: “نحن لا نريد أن نطالبهم بالانتقال من فقه الإمام أحمد إلى جان جاك روسو، ولكن من فقه الإمام ابن حنبل لأبي حنيفة أو للإمام مالك”.
من جهته، أكد جودت سعيد “أن الشورى عين الديمقراطية، لكنها عند المسلمين في موضع يحيط به الغموض والنفي، وحتى لما كشف العالم أهمية الشورى وتحولت إلى مؤسسة لها قواعد تتسع وتتعمق كل مرة؛ بقينا نحن نستخف بها، حتى أمست قزماً مشوهاً وولداً معاقاً غير قابل للنمو. حيث وصل الأمر إلى أن ليس لأحد أن يبدي رأيه وتصوره أمام “التصور الأوحد”، فهذا إعلان لاغتيال العقل والفهم. في الحقيقة إننا نستخف بالإنسان لهذا يستخف الناس بنا”.
وقوبلت هذه الصرخات بأخرى مقابلة، فقد تحفظ ضياء علي، الباحث في الشأن الإسلامي، الذي شارك في الندوة، على ما جاء بالقول: “الإسلام الاشتراكي والمدني والديمقراطي وإسلام السوق مصطلحات أطلقت بالتزامن مع موجات للفكر البشري، لكن الأيام ستحولها إلى أرشيف التاريخ ويبقى الإسلام هو الإسلام”.
وأوضح الباحث السوري موقفه من الديمقراطية بالقول: “إن رفض نعت الإسلام بالديمقراطي لا يعني رفض الإسلام للديمقراطية كافة، بل الديمقراطية بمعنى حكم الشعب مقابل حكم الفرد وليس الله، وأنها إجراءات تدبيرية لانتقاء الحكام وتوليتهم وعزلهم. والتداول السلمي للسلطة ومشاورة الناس في ذلك أمر مشروع وله شواهده في الدين والتراث الاسلامي، دعونا نوقن بأن الإسلام دين متفرد بمنهجه العقدي ومنظومته التشريعية والحضارية، ومهما تفتقت عقول البشر عن مناهج مستحدثة فإنها بإيجابياتها تقترب من الإسلام لكنه ولا شك بريء من سلبياتها”.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا