هـجـومـات 20 أوت (أغسـطس) 1955 (تابع)

انتفاضة 20 أوت 1955 كما وصفها و خطط لها زيغود يوسف
إن تسليط الضوء على مجريات ووقائع حوادث 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني (الولاية الثانية) يكشف من حين لآخر جملة من الحقائق التاريخية البالغة الأهمية في الزمان و المكان بعد مرور ما يقارب أربعة عقود على مضي هذه الانتفاضة كما كان يسميها البطل الشهيد زيغود يوسف.
و فيما يلي ندرج شهادة المجاهد أحمد هبهوب أحد إطارت الولاية الثانية
الذي استطاع أن يحتفظ بما جرى في الجلسة الثلاثية الخاصة و كل ما تعلق بدراسة خطة هجومات 20 أوت 1955 و ذلك بجبل الزمان (الحدائق حاليا).

يقول بعد أن مكثنا بالمكان حوالي أربعة أيام تركنا الجيش تحت قيادة السيد الاخضر بن طبال و غيره من المسؤولين ثم غادرنا المكان نحن الأربعة (زيغود يوسف، و بن عودة، و محمد رواية، و أحمد هبهوب).
و بعد ذلك ودعنا الأخ محمد رواية و خرجنا نحن من الجبل و دخلنا إلى منزل أحد المواطنين الذي كان شاغرا و عقدنا الجلسة التي دامت حوالي أربع ساعات. افتتح زيغود يوسف- الذي كان جالسا آنذاك في مكان مرتفع و مستقبلا القبلة فوق حصير يجمعنا- الجلسة باسم جيش و جبهة التحرير الوطني الجزائرية، و ذلك لأن الجيش كان في ذلك الوقت هو الأول في الترتيب القانوني، ثم شرع في تلاوة خطة 20 أوت السياسية و العسكرية منها، قائلا: ( إن الساسة الفرنسيين و في مقدمتهم المقيم العام في الجزائر ((جاك سوستيل)) يقومون الآن بحملة سياسية واسعة النطاق في الخارج، و في إطار هيئة الأمم المتحدة نفسها أساسها أن الثورة الجزائرية مستوحاة من الخارج و ليست نابعة من صميم الشعب الجزائري).
بمعنى أن الخارجين عن القانون أو العصاة كما تزعم فرنسا هم أجانب على هذا الشعب و ليسوا نابعين من صلبه، أما الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعاية الإستراتيجية الخبيثة هو غلق الأبواب على ثورة شعبنا حتى لا يتسرب شعاعها إلى الخارج و يصبح خطرا عليها، ثم القضاء على ثورة أمتنا إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
هذا بالنسبة للخارج أما بالنسبة للداخل فالسلطات العسكرية الفرنسية تضرب الآن طوقا محكما على منطقة الأوراس قصد احتلالها ثم القضاء على أكبر قاعدة عسكرية و سياسية و للثورة هناك، و ذلك لأنها وجدت شبه هدنة في الجهات الأخرى من القطر.
لذلك دعوتكم للحضور لكي أمامكم هذه الخطة للبحث و الإثراء و التي أطلب منكم بعد ذلك الموافقة عليها بعد دراستها دراسة معمقة، و هي أن شعبنا قد قدم في مدة قرن و خمسة و عشرين سنة خلت. الملايين من الشهداء للحصول على استقلاله و سيادته الوطنية، و هكدا فبعد أن تحطمت تلك الثورات كلها و لم تحقق له أي شيء يذكر ما عدا تسلسل الأحداث التاريخية، و جاءت ثورتنا هذه كتتويج لما سبقها من الثورات و الانتفاضات، و ضمنت له هذا الهدف هو مطالب الآن و في منطقتنا هذه علة الخصوص بتقديم ضريبة الدم التي لا شيء غيرها لانقاذ ثورته من الهلاك المحقق، و قد حددت هذه الضريبة في عدد لا يتجاوز 5000 شهيد من أبناء المنطقة كما حددت تاريخ تنفيذ هذه الانتفاضة في 20 أوت 1955 على الساعة الثانية عشرة زوالا بالضبط.
أما المبادئ و الأهداف التي نصبو إلى تحقيقها بعد هذه الانتفاضة التاريخية إذا كتب لها النجاح هي:
1-              فتح أبواب الثورة على مصراعيها أمام جميع المواطنين الجزائريين لدخول المعركة، و بذلك تصبح ثورتنا ثورة مجموع الشعب كله بدلا من أن تبقى محدودة في مجموعات صغيرة من الرجال يمكن لي أن أقول بأنها لا تمثل إلا نفسها مثلما هي عليه.
2-              الضغط على القوات الفرنسية التي تضرب طوقا محكما على منطقة الأوراس و إجبارها على الانسحاب منها و تشتيت شملها و ذلك حتى لا تترك المجال مفتوحا أمامها لتجميع قواها و القضاء على خلايا ثورتنا الحية خلية بعد خلية.
3-              تعبيرا من شعبنا على تضامنه و تكاتفه مع شقيقه الشعب المغربي بعد اعتقال و نفي عاهله (الملك محمد الخامس) طبقا لمعاهدة التضامن و التنسيق المبرمة بيننا و بينهم و بيننا و بين التونسيين.
4-              القضاء المبرم و بصفة نهائية على الدعاية الفرنسية الزاعمة بأن ثورة الجزائر مستوحاة من الخارج و ليست نابعة من صميم الشعب الجزائري.
و عن الكيفية التي سوف يتم بواسطتها نقل ضحايا الانتفاضة المقبلة قال العقيد زيغود يوسف ستنقل صور ضحايانا بواسطة الصحافة الأجنبية التي تجوب الآن جميع المدن الجزائرية، و من بين هذه الصحف ربما حتى بعض الصحف الفرنسية الحرة، و ذلك لأن المسألة مسألة ضمير قبل كل شيء، هذا و أضاف قائلا: (( عندما يشاهد العالم على صفحات الجرائد العالمية جثث النساء بردائهن الأسود و الصبيان و العجائز، و الشيوخ متناثرة في الشوارع يصدر حكمه النهائي على فرنسا التي قالت و مازالت تقول بأن ما يجري داخل الجزائر هو مجرد تمرد أو عصيان مستوحى من الخارج.
أما الهدف الأسمى الذي نصبو إلى تحقيقه بعد هذه الانتفاضة التاريخية إذا كتب لها النجاح هو:
تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة و بذلك ستصبح ثورتنا كقضية دولية تمكن الجمعية المذكورة من مناقشتها في دورتها الخريفية المقبلة، ثم اختزال عامين من عمر ثورتنا، أي سبع سنوات و نصف بدلا من تسع سنوات و نصف عمر كل الثورات الكبيرة، و التي قطعتها بتمامها و كمالها الثورة الفيتنامية و ذلك لأن هذه الأخيرة لم تسجل أو تطرق أبواب الجمعية العامة المذكورة إلا بعد عامين من اندلاعها.
نظرة زيغود إلى مستقبل الثورة

بعد أن انتهى زيغود من دراسة الخطة الأولى و الأخيرة الخاصة بانتفاضة 20 أوت 1955 انتقل بعدها مباشرة إلى دراسة الخطة الثانية و الأخيرة في الترتيب، و التي كانت تتعلق بمستقبل الثورة بعد سنوات من ذلك التاريخ، و تتمثل هذه الأخيرة في الكيفية التي سيتم من خلالها تنظيم القاعدة الشرقية التي استشهد قائدها (باجي مختار) بمزرعة دالي بن الشواف و الموجودة بالقرب من قرية أمجاز الصفافي شهر نوفمبر سنة 1954.
إثر استشهاد هذا الرجل الفذ تفرقت الآراء و تصدعت الصفوف الشيء الذي أدى بالمؤتمر إلى دراستها دراسة معمقة هذا و حول تنظيمها لتأمين نجاح الثورة قال (زيغود يوسف)إن نجاح ثورتنا مبني على أمن القاعدتين (الشرقية و الغربية) و سلامتها، و هما بالنسبة إلى ثورتنا بمثابة فتحتين تتلقى من خلالهما في المستقبل الامدادات العسكرية من المشرق العربي، و كما تعلمون إن شعبنا قد وضع تحت تصرفنا كل ما يملك من أموال قصد تسليحه، و قد عاهدناه على ذلك لكن بعد سنتين، و إن لم نوف بعهدنا هذا في الأجل المحدد فمن حقه أن يستسلم إلى العدو و يرجع ضدنا.
أما فيما يخص القاعدتين من الجانب الاستراتيجي و التنظيمي و التمويلي قل زيغود يوسف بخصوص القاعدة الغربية إن الخط الرابط بينها و بين المشرق العربي مصدر تمويل ثورتنا الرئيسي بواسطة المغرب الأقصى خط بحري و يصعب علينا مستقبلا شحن الأسلحة و الذخيرة على طريق البحر لأنه محروس حراسة مشددة من طرف الأسطول الفرنسي و أساطيل الحلف الأطلسي لذلك فكل ما تتحصل عليه القاعدة الغربية من امدادات مستقبلا على طريق الخط المذكور فلا طمع لنا فيه.
أما بخصوص القاعدة الشرقية - قال زيغود- يتوقف مصير خمسة مناطق من مناطق بلادنا الستة عليها بعد أن تفتح أبوابها في المستقبل و هي على التوالي:
المنطقة الأولى (أوراس)، و الثانية (الشمال القسنطيني)، و الثالثة (القبائل)، و الرابعة (البليدة)، و الخامسة (القطاع الوهراني)، و لأن طريقها في مأمن لأنه متصل بالمشرق العربي برا.
أما عن تنظيم الجيش بالقاعدة الشرقية أضاف زيغود يوسف قائلا إن القاعدة الشرقية بالنسبة لثورتنا منطقة استراتيجية هامة و قواعد لحرب العصابات تحتم علينا معرفة الأرض، لذلك قررت أن يكون تكوين الجيش من أبناء المنطقة، أما إطاراته من جميع المستويات فسوف نختارهم من كل القطر الجزائري، و ذلك حتى نجنبها من الوقوع في الفوضى مستقبلا، لأنه إذا بقينا مكتوفي الأيدي إزاء ما يجري بها الآن من أعمال تخريبية فستكون الكارثة محدقة بثورتنا مستقبلا.
أما عن الكيفية التي سيتم بواسطتها شحن الأسلحة و الذخيرة الحربية إلى الجزائر قال زيغود بعد تنظيم المنطقة و تكوين الجيش يجب علينا أن نشرع في إقامة المخازن لتخزين الأسلحة و الذخيرة داخل القاعدة، كما استطرد قائلا عن مستقبل المنطقة و الدور الذي ستلعبه في تحرير البلاد، إننا قررنا أن يتم تحرير المنطقة بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ ثم يأتي بعدها الشروع في وضع الخطة النهائية، و التي ستكون حتما إلا و هي التحضير لعملية (ديان بيان فو) التي قال عنها بالحرف الواحد إن فرنسا قد تلقتها في حرب فيتنام و لابد أن تتلقى مثلها في الجزائر.
 أما بالنسبة للمكان و الزمان الذين ستقع فيهما مثل هذه العملية التاريخية فقد أجل الشهيد زيغود يوسف البحث فيهما و الموافقة تكون رهن القيادة العليا للثورة.

المصدر: الثورة الجزائرية أمجاد و بطولات: عثمان الطاهر علية، منشورات المتحف الوطني للمجاهد،ص80

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا