الإسراء والمعراج

       
بينما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نائمآ في الحجر أتاه جبريل عليه السّلام، فهمزه بقدمه، فجلس رسولنا الكريم فلم يرَ شيئا، ثمّ عاد إلى مضجعه، فجاءه مرّةً ثانية فهمزه بقدمه، فجلس ولم يرَ شيئا، ثمّ عاد مرّة أخرى إلى مضجعه، فجاءه مرّةً ثالثة فهمزه بقدمه، فجلس رسولنا الكريم، وأخذ جبريل بعضده، وحينها قام رسول الله معه، وخرج به جبريل إلى باب المسجد، فإذا رسول الله يرى دابّةً بيضاء بين البغل والحمار، في فخذيها جناحان تحفّز بهما رجليه، ثمّ وضع جبريل يده في منتهى طرف الرّسول فحمله عليه، وخرج معه‏‏. مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصحبة جبريل عليه السّلام حتّى انتهى به المطاف إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفرٍ من الأنبياء، فأمّهم رسول الله في صلاته، ثمّ أُتى جبريل رسول الله بوعائين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن‏‏.‏‏ قال‏‏:‏‏ فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إناء اللبن وشرب منه، وترك إناء الخمر‏‏.‏‏ فقال له جبريل‏‏:‏‏ هديتَ للفطرة، وهديت أمّتك يا محمّد، وحرّمت عليكم الخمر‏‏.‏‏ ثمّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكّة. في صباح اليوم التّالي اجتمع الرّسول الكريم في قبيلة قريش وأخبرهم بما حصل معه، فقال أكثر النّاس‏‏: ‏والله هذا الأمر لبيّن، وإنّ الرّسول لصادق ٌ آمين، وإنّ العير لتطرد شهرآ من مكّة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، فقال العير إنّ هذا القول لا يصدّق أفيذهب محمّدٌ ويرجع إلى مكّه في ليلة واحدة؟!‏‏ قال جبريل: ‏‏‏‏فارتدّ كثيرٌ ممّن كان قد أسلم، وذهب النّاس إلى أبي بكر، فقالوا له‏‏:‏‏ يا أبا بكر إنّ صاحبك محمّد يزعم أنّه قد جاء من بيت المقدس وصلّى فيه ورجع إلى مكّة، ‏‏‏‏فقال لهم‏ أبو بكر‏‏:‏‏ إنّكم تكذبون على رسول الله، فقالوا‏‏:‏‏ بلى، ها هو الرّسول في المسجد يحدّث الناس بما حدث معه، فقال أبو بكر‏‏:‏‏ والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك‏‏!‏‏ فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد ممّا تعجبون منه. أقبل أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال‏‏:‏‏ يا رسول الله، أحدّثت القوم أنّك كنت في بيت المقدس هذه الليلة‏‏؟‏‏ قال الرّسول‏:‏‏ نعم، قال‏‏:‏‏ يا رسول الله، صف لي ذلك المسجد، وأخذ الرّسول يصف ويحدّث أبا بكر عن بيت المقدس، فقال له أبو بكر: أشهد أنّك رسول الله، وكان يكرّرها كلّما وصف له شيئاً رآه.

إقرأ المزيد على موضوع.كوم:http://mawdoo3.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%AC

عيد النصر 19 مارس 2016 إحياء الذكرى بالتنسيق مع الكشافة الإسلامية الجزائرية محافظة تلمسان - فوج الأمانة



قام المركز الثقافي الإسلامي - فرع تلمسان- بعدة نشاطات بمناسبة ذكرى وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الكشافة الإسلامية الجزائرية محافظة تلمسان - فوج الأمانة، حيث كان هناك معرض خاص بالشخصيات التاريخية لشهداء تلمسان و الجزائر عامة و إليكم بعض الصور من المعرض:

كيف يحافظ الحاج على الميلاد الجديد ؟! بعد تحمل الصعاب والصبر على المشاق وبذل النفقات والتزود بالتقوى

يتوجه الحجاج إلى بيت الله الحرام ليعودوا بميلاد جديد، وذنب مغفور، وسعي مشكور وعمل متقبل، وحج مبرور والذي جزاؤه الجنة. فالكل يقصد مكة لأداء المناسك، ولإرضاء الله تعالى، وتأدية الفريضة، وتحقيق الركن الخامس من أركان الإسلام، ويتحمل الحجاج الصعاب في سبيل تحقيق ذلك، فيصبرون على المشاق، ويتجاوزون الصعوبات، ويتغلبون على المنغصات، ويبذلون النفقات، ويدخرون الأموال، ولا يبخلون بالمصروفات على هذه الرحلة المباركة، ويستعدون بكل ما يستطيعون، ويتزودون بالتقوى.

فهل بعد أداء الحج، وبعد أن يعود الحاج بميلاد جديد، وصفحات خالية من الذنوب، ويرجع بسجلات بيضاء جديدة خالية من المعاصي، وبعد أن سطر صفحات نظيفة... هل يعود للمعصية؟ فكيف يحافظ الحجاج إذن على هذا الميلاد الجديد؟

وهل من العقل بعد تقديم كل هذه التضحيات، أن يعود الحجاج لما كانوا عليه من انغماس في الدنيا وملذاتها؟! أم أنهم يجتهدون للحفاظ على هذه الصفحات المشرقة، ويستمرون في طريق الهداية، ويبتعدون عن طرق الغواية؟! فكيف يلازم الحجاج التقوى؟ وكيف يستمرون على طريق الاستقامة؟ فمع هذه التذكرة وتلك الوقفات.

الوقفة الأولى: على كل من أكرمه الله تعالى بالحج هذا العام؛ أن يشكر المولى سبحانه وتعالى أن وفَّقه على إتمام هذه الطاعة، وأن مكنه من أداء هذه الفريضة المباركة {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

الوقفة الثانية: واظبنا في رحلة الحج على كثرة الذكر، والاستغفار، والدعاء والتضرع إلى الله، فهل نستمر نستشعر حاجاتنا وفقرنا إلى الله تعالى، ونسأله دائمًا وندعوه، ونتذلل بين يديه؟ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. فإن الدعاء مأمور به موعود عليه بالإجابة، كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

وهل نستمر في الإكثار من ذكر الله تعالى، بعد ما علمنا أثره في اطمئنان القلب وسكون الروح، والتحصن من الشيطان؟ قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

وهل نلازم الاستغفار وقد تأكدنا من آثاره؟ قال الله تعالى عن آثار الاستغفار في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لَيُغَانُ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة». وقد ورد في حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب، فقال صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة».

الوقفة الثالثة: رحلة الحج، تأكدنا فيها أنها لم تكن رحلة عادية، أو نزهة ترفيهية، بل دورة تربوية، أو رحلة إيمانية جهادية؛ حاولنا فيها التخلص من الذنوب الماضية، والتحلل من المظالم، والعودة بحج مبرور، وبميلاد جديد؛ ففي الحديث الشريف: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». فالحج يعتبر نقطة تحول، وانطلاقة جدية نحو الأفضل، وتغيير في سلوكياتنا وأخلاقنا ومعتقداتنا وفي كل حياتنا، فهل نتغير إلى الأفضل؟ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

الوقفة الرابعة: شعرنا بحلاوة الإيمان، ولذة الطاعة، وعرفنا قيمة القرب من الله، وسلكنا طريق الهداية، فهل نستمر على الاستقامة بعد هذه الطاعات، ونبتعد عن طريق الغواية؟ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]. وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]. وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13، 14].

الوقفة الخامسة: تهيَّأنا لفريضة الحج بالمال الحلال، وأطبنا المطعم والملبس، وشعرنا بركة التمسك بالحلال، فهل نتمسك به في سائر الأيام؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

الوقفة السادسة: خرجنا في رحلة الحج الإيمانية التي تذكرنا بالموت وكربته، والقبر وظلمته، واليوم الآخر وشدته، خاصة عندما نتجرد من الملابس ونغتسل للإحرام، فهل نتذكر هذه الأمور دائمًا؟ فهي من العوامل التي تدفع للتمسك على طريق الحق والثبات على طريق الهداية، والحرص على فعل الطاعات، والبعد عن المحرمات، والثبات حتى الممات، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. ومن أراد الثبات على طريق الطاعة فليصاحب الأخيار دائمًا، وليحرص على مجالسة الصالحين وحضور المحاضرات النافعة، والدروس الوعظية المفيدة، وليذكر نفسه دائمًا بالأمور التي ترقق القلب، وتذكر بالموت، فيزور المقابر ويعود المرضى، ويتعظ بالحوادث التي تخطف الأرواح فجأة.

الوقفة السابعة: تذكرنا الأنبياء الكرام، واتبعنا سُنَّة أبي الأنبياء خليل الرحمن، الذي رفع شعار التوحيد، وعلمنا الإخلاص وتمسكنا في الحج بإخلاص العمل لله، واتباع سُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى تكون أعمالنا مقبولة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» فلماذا لا نستمر على التمسك بالسنة دائمًا؟ قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى». قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».

الوقفة الثامنة: حرصنا قبل الحج على التوبة، ورد المظالم إلى أهلها وإرجاع الحقوق لأصحابها، والتوبة مطلوبة قبل الحج وبعده، قال تعالى: {وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

والحاج يحرص على تجديد التوبة قبل الحج؛ لأنه يرجو أن يعود مغفورًا له كيوم ولدته أمه؛ فينبغي له أن يستمر بعد الحج في مجاهدة نفسه ومحاربة هواه والشيطان، والإقلاع عن الذنوب، والندم على ما فات، والعزم الصادق على عدم العودة إلى الذنوب مرة أخرى، وإن عاد فباب التوبة مفتوح، ولكن علينا بالمبادرة بالأعمال الصالحة وتجنب المنكرات قبل أن يخطفنا الموت، فهو يأتي بغتة والعمل الصالح هو الذي ينفع الإنسان يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أذكِّر الجميع بحديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم والذي يتناول حال المسلم الذي يتوب ويعود للمعصية، أو قد يتوب ثم يضعف ويعود للذنوب، وقد ينوي أو يعزم عزمًا صادقًا على عدم الوقوع في الذنب، ثم يعود... هل هذا يعني عدم الوقوع في الذنب؛ بحيث متى عاد إلى الذنب بطلت توبته؟

فالمطلوب من العبد أن يعزم عزمًا أكيدًا، وأن يصر إصرارًا جازمًا على عدم العودة إلى الذنب، فمتى فعل ذلك صحت توبته وقبلت. ثم لأنه إنسان ضعيف ويتعرض للفتن، فقد يقع مرة أخرى وتضعف إرادته ويستولي عليه الشيطان، ولا ينجح في محاربته؛ فمن أزله الشيطان بعد ذلك فوقع في الذنب مرة أخرى؛ فإنه يحتاج إلى توبة جديدة صادقة، ولا علاقة لهذه التوبة (الثانية) بالتوبة الأولى، وتوبته الأولى صحيحة غير باطلة؛ لحديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، أحدنا يذنب، قال:(يُكتب عليه). قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال:(يُغفر له ويتاب عليه). قال: فيعود فيذنب. قال:(فيُكتب عليه). قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال:(يُغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا)».

والأوضح منه ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه -عز وجل- قال:«أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي! فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي! فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي! فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك»[8].

الوقفة التاسعة: تزودنا قبل الحج بالتقوى، وجاهدنا أنفسنا وأبعدناها عن المعاصي والرفث، وتركنا الجدال بغير فائدة، وقد أمرنا الله تعالى بهذا، حيث قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197].

والتقوى لا بد أن تستمر في الحج وبعده، فهل نحاول أن نبتعد عن المحرمات، وأن نجعل بيننا وبين ما حرَّم الله موانع أو حواجز أو وقاية، ويكون ذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي؟ ومن يفعل ذلك يجعل الله له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

والتقوى أيضًا هي: الخوف من الجليل سبحانه وتعالى، والعمل بالتنزيل (كتاب الله، وسُنَّة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم)، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. وحتى ننال ثمار التقوى، وهي كثيرة، فعلينا: استشعار معيَّة الله تعالى حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].

الوقفة العاشرة: تعلمنا في الحج مجموعة من الدروس والفوائد والعبر، ومن أهم الدروس: درس الاستسلام لله تعالى، وفي ذلك الاقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، وأمه السيدة هاجر، فقد تعرضوا لاختبارات ومحن عديدة ونجحوا فيها جميعًا، وواجهوا الشيطان وحاربوه، ولم يسمحوا له بالاستيلاء عليهم أو غوايتهم.

وأهم درس للنساء هو استسلام السيدة هاجر أم إسماعيل لأمر الله تعالى حينما علمت أن زوجها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام تركها بأمر الله تعالى، فنتعلم منها درس طاعة الزوجة لزوجها، واستسلامها لأمر ربها، فقد أحسنت التوكل على الله، وأيقنت أنها لن تضيع هي وطفلها لما تركها في مكان موحش لا أنيس فيه ولا ونيس، ولا زرع أو ضرع، فقالت بلغة الواثق من قدرة الله تعالى على كل شيء:(إذن لن يضيعنا)بعدما سألت زوجها (إبراهيم) سؤالاً واحدًا:(آلله أمرك بهذا؟). وببركة هذا الاستسلام فجَّر الله في هذا المكان بئر زمزم المباركة، وجعلها مكانًا آمنًا، وصارت قلوب الناس تهواها وتحب زيارتها.

ونجد أن درس الاستسلام يتكرر من الابن الذي تولت تربيته الأم المستسلمة لأوامر الله، فيطيع إسماعيل أباه -عليهما الصلاة والسلام- فيعلن استسلامه التام في امتحان شاق وشديد، ويسلم نفسه لوالده لما طلب أن يذبحه، والوالد نجح هو الآخر في هذا الاختبار الصعب، ويرجم شيطانه وينفذ الجميع أمر الله، فتأتي المكافأة اللائقة ويظهر النجاح المشرف من أسرة أعلنت استسلامها لأوامر الله تعالى والانقياد له بالذل والطاعة.

ويتكرر الاستسلام من الابن للأب لما أمره بأن يفارق زوجته التي لا تحمد الله ولا تعرف الرضا أو القناعة بعد زيارته للمكان ليتفقد تركته، ثم ينفِّذ الابن البار أمر والده، ويستسلم ويسارع بطاعته مرة ثالثة ورابعة، ويشتركا في رفع القواعد من البيت ليكون مثابة للناس وأمنًا.

الأعمال الصالحة بعد الحج



من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها بعد القيام بأي عمل: مسألة قبول العمل؛ هل قُـبِـل أم لا، فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول. وهذا متأكد جدًّا بعد الحج الذي تكبد فيه العبد أنواع المشاق، فما أعظم المصيبة إذا لم يقبل؟ وما أشد الخسارة إن رد العمل على صاحبه، وباء بالخسران !!

وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله، وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى. وهذه الأسباب منها:

1 - استصغار العمل وعدم العجب والغرور به:

إن الإنسان مهما عمل وقدم فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويتكاسلوا عن الأعمال الصالحة. ومما يعين على استصغار العمل: معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.

ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: {يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر}. فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره.

2 - الخوف من رد العمل وعدم قبوله:

لقد كان السلف الصالح يهتمون بقبول العمل أشد الاهتمام، حتى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله عز وجل في وصف حالهم تلك: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون:60،27). وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم. وأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل. ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} ( المائدة:27).

3 - الرجاء وكثرة الدعاء:

إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لا بد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.

ورجاء قبول العمل -مع الخوف من رده- يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه. وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (البقرة:127).

4 - كثرة الاستغفار:

مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لا بد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} (البقرة:199). وأمر نبيه أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}. فكان يقول في ركوعه وسجوده: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري. وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل صلاة فيقول: (أستغفر الله) ثلاث مرات.

5 - الإكثار من الأعمال الصالحة:

إن العمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.

وإن أهم قضية نحتاجها الآن أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.

وإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة بعد الحج ، ويسابق إلى الخيرات، فإن من المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها، وفضل المداومة، وفوائدها، وآثارها، والأسباب المعينة عليها، وحال الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.

نماذج من محافظة الصحابة على العمل الصالح: عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: (لو نشرني أبواي ما تركتها) (أخرجه مالك، وصححه إسناده الألباني).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)، قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه.

وعن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: (بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي) قال: يا رسول الله، ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، فقال رسول الله: (بهما) رواه الترمذي.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أتانا رسول الله فوضع رجله بيني وبين فاطمة -رضي الله عنها- فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا، فقال: (يا فاطمة إذا كنتما بمنزلتكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين) قال علي: والله ما تركتها بعد. فقال له رجل -كان في نفسه عليه شيء-: ولا ليلة صفين؟ قال علي: (ولا ليلة صفين)، (أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي). فلم يتركها رضي الله عنه في وقت الشدة، ليلة التعب والحرب والكرب، ومن باب أولى وقت الراحة والرخاء.

وانتهى موسم الحج... !



انتهى موسم الحج وعاد الحجاج إلى ديارهم بعد أن قضوا مناسكهم ونفوسهم ممتلئة رجاء لله سبحانه وتعالى بقبول حجهم واستجابة دعواتهم وغفران ذنوبهم ومضاعفة حسناتهم، وفي الوقت نفسه تغشاهم رهبة وخوف من الرد وعدم القبول فهم بين حالين حال الرجاء وحال الخوف يسيرون في هذه الحياة كجناحي طائر حال طيرانه.

وهكذا المسلم في كل أعماله يسير على هذه المنهجية التي تضبطه وتضبط مسيره تقودها محبة العبد لربه جل وعلا وهو بهذه المنهجية ينتهج النهج الصحيح الموصل للغاية الكبرى رضا الله ودخول الجنة.

والحج طريق من الطرق الموصلة للجنة إذا كان حجاً مبرورا والاستفادة من الحج والعمل بعده ليس مرتبطا بالحاج فحسب بل بكل مسلم، ومن هنا يسعى المؤمن وقد يمر عليه هذا الموسم العظيم حاجاً أو غير حاج يتذكر معاني الحج ليجعلها منارة تحدد له معالم الطريق الصحيح لحياته كلها.

قوة الاستجابة

في الحج تعلمنا تحقق قوة الاستجابة لله سبحانه وتعالى، فعندما لبى الملبي (لبيك اللهم لبيك) مطيعا منقاداً لأمر الله سبحانه ثم طاف وسعى ووقف بعرفة وبات بمزدلفة ومنى ورمى الجمار ونحر وحلق كل ذلك استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، دون أن يعلم العبد حكمة ذلك ومع هذا يقوم بها بكل طواعية وانقياد. هذا هو الاستسلام الحق الذي يجب إن يستصحبه المسلم في كل شؤون حياته وبخاصة العبادات فينفذها متمثلاً: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أما المعاملات فحكمتها واضحة جلية فكل معاملة حلال سوى ما أدى إلى ضرر في النفس أو الغير أو غرر وجهالة أو غش وخداع أو ربا أو أكل أموال الناس بالباطل فهل نعمل بهذا المنهج فنسعد في الدنيا والآخرة؟

التوحيد لله سبحانه

وفي الحج تعلمنا عظم شأن التوحيد لله سبحانه فلا معبود بحق سوى الله جل وعلا، علا توحيده في شعار الحج: (لبيك لا شريك لك لبيك) وتعمق توحيده سبحانه في أقوال الحج كلها و أذكاره ومنها في يوم عرفه: (خير ما قلت أنا و النبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)، و أفعال الحج كلها تدل على هذا المعنى العظيم من الطواف و السعي ووقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمى الجمار والنحر والحلق أقوى دلاله لها تعميق التوحيد لله جل وعلا حيث لا تدرك كنهها ولا حكمتها فهي تفعل تعبد لله تعالى.

فهل نجعل كل أقوالنا وأعمالنا منطلقة من هذا التوحيد فتطمئن قلوبنا ونأمن في دنيانا وأخرانا؟

منافع عظيمة

وفي الحج وجدنا منافع عظيمة تحقيقاً لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) منافع دنيوية وأخروية تعود للإنسان ذاته وللآخرين فالبيع والشراء و التعارف و التآلف وطلب الأجر ورجاء المغفرة فكل هذا وغيره يراها الحاج، صورة واضحة جلية، فلا تعارض بين طلب أمور الدنيا المباحة وبين طلب الأجر والمثوبة، ولا تعارض بين السعي وعلو الهمة في الدنيا وبين السعي لعلو ما عند الله في الآخرة، وقد تمثل هذا في الحج بصورة عملية لكل متأمل.فهل تعلو هممنا لنطلب الرفعة في الدنيا في أصل الله لنا، ونطلب علو ما أعده الله لنا في الآخرة؟ هكذا يفكر المسلم العامل الحصيف.

محظورات وممنوعات

وفي الحج محظورات وممنوعات للحج خاصة، ومحظورات وممنوعات في الدين بعامة، أخص منها: ما يتعلق بتعامل الحاج مع غيره، فانضم إلى ذلك مدرسة تهذيب الأخلاق والتدريب العملي. تمثل ذلك في قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وقوله عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) فكبح جماح نفسه، واندفاع شهواته، وألجم نفسه عن كل ممنوع ليخرج المسلم بذلك المتخلق بأخلاق الإسلام والمتأدب بأدبه، يمشي على الأرض وحاله تحكي تعاليم دينه، فهل نجعل هذا الخلق وحسن التعامل وتلك الآداب منهاجاً لنا في تعاملنا مع الآخرين أياً كانوا من أقرباء وجيران، وزملاء عمل، ومعارف، ومسلمين وغير مسلمين؟ هكذا يعلمنا الحج فلنتعلم منه ذلك.

المصدر

مستشار المفتي: القيادات الدينية الوسطية في العالم مطالبة بتصحيح صورة الإسلام

أكد الدكتور إبراهيم نجم ، مستشار مفتي الجمهورية ، أن القيادات الدينية الوسطية في العالمين الإسلامي والغربي، مطالبة أكثر من أي وقت مضي أن تؤدي دوراً فاعلاً في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية ، ليس فقط فيما يتعلق بمواجهة التغطية السلبية للإسلام، وإنما في تنفيذ الإستراتيجيات الإعلامية اللازمة لمواجهة حالات التشويه والتشويش للقضايا المتصلة بالإسلام والمسلمين.
جاء ذلك خلال لقاء مستشار المفتي، الخميس، مع زعماء الأديان بولاية نيويورك، والذي عقد بالمركز الإسلامي بنيويورك ، على هامش مشاركته في قمة مكافحة التطرف العنيف بالأمم المتحدة .
أكد مستشار مفتي الجمهورية لزعماء الأديان، أن العالم أحوج ما يكون إلى منتديات تعين على حوارٍ حقيقي نابع من الإعتراف بالهويات والخصوصيات، لافتًا إلى «الحوار الذي يظل محترمًا ولا يسعى لتأجيج نيران العداوة والبغضاء أو فرض الهيمنة على الآخر، والقائم على أساس التعددية الدينية والتنوع الثقافي، والحوار الذي أبدا لا ينقلب إلى حديث أحادي».
تابع «نجم»: «أننا نعيش في فترة عصيبة تتميز بتصاعد الحملات الإعلامية العدائية ضد الإسلام والمسلمين من جهة، واستغلال بعض الأفعال التي تتنافى مع روح الدين الإسلامي الصادرة من الجماعات الإرهابية، من جهة أخرى في ترسيخ صور نمطية عن الإسلام تختزله في ديانة تتبنى العنف وتحرض على التطرف وتعارض كل تقدم».
وأوضح مستشار المفتي، أن مصدر التبرير المزعوم لكثير من مظاهر التطرف والعنف السياسي في العالم الإسلامي وخارجه، ليس مرده إلى تعاليم الأديان، ولكن لمجموعة معقدة من العوامل نحتاج لفهمها جيدًا بشكل معمق حتى نعالج هذه الظواهر التي تهدد العالم أجمع، لافتًا إلى أن الإعلام الغربي لن يغير من تعامله مع هذه الصورة السلبية بين ليلة وضحاها، لأنها مرتبطة في الأصل بخلفيات تاريخية قد تكون مرتبطة بتاريخ الحروب الصليبية، وقد تكون مرتبطة بأسباب عرقية أو دينية، أو سياسية .
شدد مستشار المفتي على أننا بحاجة ملحة للتحدث مع العالم في هذا التوقيت الملتهب، لأننا وقعنا في فخ التحدث مع أنفسنا في الفترة الماضية مشددًا على أن وسائل الإعلام العالمية تقع عليها مسؤولية أخلاقية بتهميش الفكر المتطرف وإتاحة الفرصة الكاملة للعلماء والمفكرين المتخصصين للتحدث بلسان الدين الإسلامي.
وطالب «نجم»، بوضع الآليات الفاعلة للتواصل مع الإعلاميين والأكاديميين والجاليات الإسلامية ليس في أمريكا وحدها بل في كل العالم، مشددًا على ضرورة اعتبار ذلك مشروعًا قومياً لمصر في الفترة المقبلة.
أوضح مستشار مفتي الجمهورية، أن المسيحيين في مصر ليسوا أقلية بل شركاء في الوطن، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، يعيشون سويًا تحت مظلة القانون دون تفرقة أو تمييز، والإعتداء على كنائسهم وأديرتهم أمر يرفضه الإسلام ويعاقب عليه القانون.

717 حالة وفاة و863 جريحا في تدافع للحجاج في منى بالسعودية

أمر الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، بتشكيل لجنة تحقيق عليا، الخميس 24 سبتمبر/ أيلول 2015، "للوقوف على الأسباب الحقيقية" التي أدّت إلى حادثة التدافع في شارع 204، المؤدي إلى جسر الجمرات بمشعر "مِنى"، والذي نتج عنه وفاة 717 حاجًّا، وإصابة 863 آخرين.
وكالة الأنباء السعودية، أشارت إلى أن الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، الذي يشغل مناصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، ورئيس لجنة الحج العليا، عقد بمقر وزارة الداخلية بمنى مساء اليوم اجتماعاً طارئاً للقيادات الأمنية المشاركة في تنظيم الحج، لبحث حادث اليوم، والوقوف على أسبابه الحقيقية".

تشكيل لجنة تحقيق عليا

ووجه ولي العهد "بتشكيل لجنة تحقيق عليا، تتولى التحقيق في الحادث ومسبباته، وصولاً إلى معرفة الحقيقة، والرفع بما يتم التوصل إليه من نتائج إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود".
إلى ذلك أكد وزير الصحة السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، أن الكوادر الطبية العاملة في المشاعر المقدسة "منى وعرفات"، تتابع الإصابات جراء حادث التدافع، واستنفرت لذلك كوادرها الطبية، مشيراً أنه جرى نقل بعض الحالات من مستشفيات منى إلى مستشفيات مكة المكرمة، وإذا لزم الأمر ستنقل بعضها إلى مستشفيات جدة والطائف.
وقال في تصريح له "إن مختلف القطاعات تتعامل مع الحدث بأفضل ما لديها من إمكانيات، ومما لا شك فيه أن الحادث كبير ومؤلم جداً لنا جميعاً، وهذا قضاء الله وقدره".
ولقي 717 حاجًّا مصرعهم، صباح اليوم، أول أيام عيد الأضحى المبارك، وأصيب 863 آخرون، جراء "تدافع وازدحام" في شارع 204 المؤدي إلى جسر الجمرات بمشعر "مِنى".

تعارض الحركة.. المسؤول

من جانبه كشف اللواء منصور التركي المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية أسباب حادثة التدافع والزحام وقال "وفقاً للأسباب الظاهرة حدثت بسبب تعارض حركة الحجاج المتجهين مع الشارع ٢٠٤ مع حركة الحجاج على الشارع ٢٢٣ ما تسبب في التزاحم والتدافع وسقوط عدد كبير من الحجاج وساهم في ذلك ارتفاع درجات للحرارة والإجهاد الذي تعرض له الحجاج بعد الوقوف في عرفة والنفرة من مزدلفة".

وقال خلال مؤتمر صحفي للجهات المشاركة بالحج مساء الخميس "من المعروف أن الكثافة تكون في ذروتها في اليوم العاشر من ذي الحجة، والحادثة وقعت أثناء توجه الحجاج لمنشأة الجمرات للرمي، وحدثت في شارع داخلي في منى ليس له امتداد، كما أنه بالعادة يستخدمه الحجاج بالمخيمات المجاورة له وهذا ما يبرز أهمية التحقيق بالحادثة" .
مشدداً على أن لا مجال للربط بين حادثة التدافع وبين مرور أي موكب رسمي، مؤكداً أنّ "المواكب الرسمية لضيوف السعودية في الحج، تتواجد في جنوب منى.
وصرح المتحدث الرسمي للمديرية العامة للدفاع المدني، العقيد عبد الله الحارثي، "أنه عند الساعة التاسعة من صباح اليوم الخميس، وأثناء توجه حجاج بيت الله الحرام إلى منشأة الجمرات لرمي جمرة العقبة، حدث ارتفاع وتداخل مفاجئ في كثافة الحجاج المتجهين إلى الجمرات عبر شارع رقم (204) عند تقاطعه مع الشارع رقم (223) بمنى، ما نتج عنه تزاحم وتدافع بين الحجاج وسقوط أعداد كبيرة منهم في الموقع".
وكانت حالة من الغموض قد أحاطت بالحادث الذي يعد الأول منذ 9 سنوات، ووقع برغم أن عدد حجاج بيت الله الحرام هذا العام يبلغ 2 مليون فقط، وهو الأقل منذ سنوات مضت، وبرغم الانشاءات والطرق والكباري وجسر الجمرات الذي أقامته السعودية وتكلف ما يقرب من 1.7 مليون دولار وقت إنشائه.
الدفاع المدني السعودي قال في تغريدات متلاحقة على صفحته الرسمية بموقع "تويتر"، أن التدافع أدى في بداية الأمر إلى وفاة 100 حاج، وإصابة 390 آخرين، قبل أن يعلن الجهاز نفسه في وقت لاحق ارتفاع عدد الوفيات إلى 310، والإصابات إلى 450 حالة.
وذكرت مصادر لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن الجهات السعودية نقلت الجثث والاصابات إلى مشفى الطوارئ بمنى عبر الطائرات بالإضافة إلى مشفى منى العام ومستشفى منى الجسر ومستشفى منى الجديد.
فيما وصل أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل إلى مكان الحادث.
من جانبه أعلن وزير الصحة السعودي خالد الفالح أن التدافع مرده الى عدم التزام بعض الحجاج بالتعليمات.
وقال لقناة الإخبارية الرسمية "لو التزم الكل بالتعليمات لما حصلت مثل هذه الحوادث"، وذلك بعد توجهه إلى مكان الحادث وهو الأسوأ الذي يشهده موسم الحج منذ 25 عاما.
كما يعتبر ثاني حادث كبير يشهده الحج هذا العام، بعد حادث سقوط رافعة كبيرة، يوم الجمعة 11 سبتمبر/أيلول الجاري، داخل الحرم المكي، الأمر الذي أدى إلى مصرع 107 أشخاص، وإصابة 238 آخرين، بحسب الدفاع المدني السعودي.
لكن تطوير البنية التحتية والإنفاق السخي على تكنولوجيا السيطرة على الحشود خلال العقدين الماضيين جعلا مثل هذه الحوادث أقل تكرارا.
وشارع 204 هو أحد شارعين رئيسيين عبر الخيام في منى وصولا إلى مكان رمي الجمرات.

شهود عيان


وبحسب ما ذكر شهود عيان لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن سبب حادثة منى هو التدافع الحاد بين الحجاج وسط ارتفاع درجة الحرارة، وهذا ما أكدته الدفاع المدني في تصريح لها مشيرة إلى أن معظم الوفيات من كبار السن.

ووصَف الحاج "محمد" الحادثة لـ"سبق"، بقوله: "أثناء السير في اتجاه الجمرات، فوجئتُ بتوقف سير الحجاج بشكل غريب وغير معلوم، وما هي إلا دقائق حتى قدِمت دفعات من الحجيج من الخلف وحصل التدافع الشديد، وأخذت النساء تصرخ بصوت عالٍ، وكبار السن سقطوا على الأرض، وظلت الحادثة قائمة حتى تدخلت الجهات المختصة من فِرَق طيبة وأمنية لإنقاذنا.
وبيّن الحاج "محمد" أنه تعرّض لإصابات مختلفة بالجسم، من خفيفة إلى متوسطة؛ بسبب دهس أقدام الحجاج، وأنه -ولله الحمد- لا يزال يتلقى العلاج الآن.
وذكرت حاجّة من الجنسية المصرية، قائلة: "أثناء جلوسي بجانب شارع العرب لأخذ قسط من الراحة بسبب تعبي الشديد من طول المشي، شاهدت أعداداً كبيرة قادمة من الحجاج بمختلف جنسياتهم يتجهون نحو الجمرات، وحين وصولهم بالقرمني توقفوا عن المشي؛ بسبب أعدادهم الكبيرة، وما هي إلا دقائق معدودة حتى قدمت دفعات أخرى وهي مَن سَبّب التدافع وسقوط الحجاج بعضهم على بعض؛ مبينة أنها تَعَرّضت إلى كدمات بالظهر والجوانب".

جسر الجمرات


ويوجد جسر الجمرات في منطقة منى بمكة المكرمة، وهو مخصص لسير الحجاج لرمي الجمرات أثناء موسم الحج، ويضم جمرة العقبة الصغرى، جمرة العقبة الوسطى، جمرة العقبة الكبرى.
وبدأ مشروع تطوير جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به- الذي تقدر تكلفته بنحو 4.2 مليارات ريال (1.7 مليون دولار) عام 2006، وذلك عقب وقوع حادث تدافع بين الحجيج على جسر الجمرات في يناير 2006 أسفر عن وفاة 362 حاجا.
ويتكون الجسر الذي يبلغ طوله 950 مترا وعرضه 80 مترا من أربعة أدوار وطابق أرضي.
ووفقا للمواصفات فإن أساسات المشروع قادرة على تحمل 12 طابقا وخمسة ملايين حاج في المستقبل إذا دعت الحاجة لذلك.
وفي يناير/ كانون الثاني 2006، قضى 364 حاجا في تدافع في المكان نفسه.
ويأتي الحادث في الوقت الذي يقوم فيه الحجاج منذ الصباح برمي جمرة العقبة قبل أن يبدوا بطواف البيت العتيق ومن ثم نحر الأضاحي.
ويؤدي أكثر من 1,4 مليون أجنبي اضافة إلى مئات الآلاف السعوديين والمقيمين في المملكة الحج، رغم الحادث المأسوي الذي شهده الحرم المكي في وقت سابق هذا الشهر وأسفر عن مقتل 108 أشخاص وإصابة 400 آخرين بجروح بسبب انهيار رافعة عملاقة.

المصدر