وفاء لروح الشهيد


وفاء لروح البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد
منبع القيم الثورية
في حياة الشعوب و الأمم ذكريات خالدة تعتز بها في السراء و الضراء و لا يشغلها عن إحياء مآثر أمجادها المشرقة متاعب الحياة و هموم الحاضر و انشغالات المستقبل باعتبار أن أعظم الانتصارات في معركة التحرير كان مبعثها الذود عن حمى الوطن.

فما أسعد أن تكون أيامنا زاخرة بمعالم الكفاح و النضال و يشع بين الحين و الآخر وجه مشرق يضيء لنا درب الحاضر، و في هذا السياق تحل علينا ذكرى استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد قائد الثورة في منطقة أوراس النماشة و أحد الثوار البارزين في تفجير ثورة أول نوفمبر 1954.
من أين نبتدئ الرواية .. من لحظة استشهاده في مساء 22 مارس 1956 بقمة تافرنت بالجبل الأزرق من الاوراس الأشم أم منذ لحظة اشتداد عوده في جو مشحون بهيمنة الاستعمار الفرنسي فلم تنل من إصراره و شق طريقه الثوري المفروش بأشواك المظالم الاستعمارية كمناضل فذ في حزب الشعب الجزائري منذ عام 1942 ثم تبوأ مكانة مرموقة ضمن حركة الانتصار للحريات الديمقراطية أهلته أن يكون من أبرز مسؤولي المنظمة السرية في منطقة الاوراس خلال نهاية الأربعينات و هذا الرصيد النضالي للشهيد مصطفى بن بولعيد عمق درجة ثورته على الإبادة الاستعمارية المنظمة للجزائريين مما دفعه إلى تأسيس اللجنة الثورية للوحدة و العمل ضمن ما يعرف بجماعة الـ22 التي أخذت على عاتقها مسؤولية تفجير ثورة أول نوفمبر 1954 و البطل الشهيد مصطفى بن بولعيد كان ينبوعا للنضال المتدفق وطنية و الرمز الحي للكفاح المسلح ضد السلطات الاستعمارية التي كانت تضيق الخناق عليه باستمرار، خاصة على تحركاته السياسية و العسكرية و هو ما تعرض له الشهيد عندما كان في طريقه إلى المشرق العربي لجلب السلاح و الذخيرة الحربية لتموين الثورة من خلال العمل على ضرورة تصعيد عنفوانها في الداخل و في تلك الأثناء كانت السلطات الاستعمارية تترصد خطواته و تمكنت من إلقاء القبض عليه قرب الحدود التونسية الليبية في العاشر فيفري 1955 و حكمت عليه السلطات الاستعمارية بالإعدام حيث زجت به في سجن الكدية بقسنطينة و بداخل السجن لم يبقى مصطفى بن بولعيد مكتوف الأيدي فقاوم برودة الزنزانة بما أوتي من رباطة جأش و ثبات و صبر و استطاع أن يدبر عملية فرار ناجحة رفقة (11) مجاهدا من بينهم العقيد الطاهر زبيري و ذلك في العاشر نوفمبر 1955 و كم كانت فرحة رفقاء السلاح كبيرة بعودة قائد منطقة الأوراس في حين أصيب الاستعمار الفرنسي بخيبة أمل لا مثيل لها، و بمجرد عودة الأسد إلى عرينه بجبال الأوراس تصاعد لهيب معركة التحرير ضد جيوش الاستعمار الفرنسي و جنرالاته، و عم الخبر السار نفوس الوطنيين الأحرار عبر مختلف أنحاء التراب الوطني، و كان هذا الانتصار بمثابة هاجس راود السلطات الاستعمارية التي راحت تخطط لاغتيال البطل مصطفى بن بولعيد باعتباره مصدر إزعاج حقيقي لها، اخترق أسوار السجن ليبرهن مرة أخرى على مطاردته لكل دخيل غاصب.
و تشاء الأقدار أن ينفجر في وجه البطل مصطفى بن بولعيد راديو ملغم كان بمثابة مؤامرة استعمارية استهدفت إيقاف المد الثوري و استشهد على إثر ذلك أسد الأوراس رفقة (5) مجاهدين بقمة تافرنت بالجبل الأزرق سلسلة جبل الأوراس بتاريخ 22 مارس 1956.
و ظلت خصال شهيدنا البطل في الاعتزاز بالوطن و الشخصية الجزائرية و محاربة الغاصبين ماثلة للعيان على امتداد مراحل الكفاح المسلح، إذ أن الثورة التحريرية كانت بفضل استماتة شهداء نوفمبر ممن قدموا أنفسهم على درب التحرر و الفداء شامخة منتصرة على أعتى قوة استعمارية عرفها التاريخ المعاصر..
و العبرة التي نستخلصها من إحيائنا لمثل هذه الذكرى بقدر ما هي عربون وفاء للتضحيات الجسام التي قدمها شهداؤنا الأجلاء في سبيل تحرير الوطن من براثن الاستعمار الفرنسي، فهي في الوقت نفسه وقفة خشوع و تأمل في الماضي البطولي لأمجاد ثورة نوفمبر الخالدة و هو ما ينبغي استلهامه من مبادئ و قيم ثورية حية باستمرار في النفوس التي تصبو إلى الحفاظ على العزة و الكرامة..

الشهيد العربي بن مهيدي
إن عظمة التحرر الوطني تنشد لحنها الخالد على أوتار صلبة لا تتأثر بعوامل الصدأ لتتجدد باستمرار حية في النفوس التواقة لعهد الشهداء الاجلاء عبر أيام الحنين إلى ذكرى البطولة و الفداء و نطل من نافذة الرابع مارس كل عام على واحة شهيدنا العربي بن مهيدي فنجد غرس الجهاد قد أثمر تضحيات منذ الثامن ماي 1954 ليعلن ميلاد الغضب الشعبي و التحام مناطق الكفاح ككتلة متماسكة بفضل عبقرية جيل نوفمبر الذي تفتقت قرائحه على شذى الوفاء لروح الجهاد و العمل بدون هوادة على ترسيخ نبل الكفاح في العقول المجندة للدفاع عن حمى الوطن.
و في مسيرة شعب حمل البندقية سلاحا و تفانى أبناؤه الأفذاذ في توجيه الضربات الموجعة للعدو الفرنسي في كل شبر من أرض الجزائر. ظهر على ساحة البطولة و الفداء الوطني العربي بن مهيدي متشبعا بروح العداء للاستعمار الفرنسي و أذنابه، و هو يؤمن في قرارة نفسه بأن نوفمبر تعبير عن إرادة شعب مصمم على افتكاك الحرية و الاستقلال و كانت أهوال الثورة من أحداث عسكرية و سياسية تشحذ نفس بن مهيدي بالتحدي الصارخ للمظالم الاستعمارية ليساهم ضمن الرعيل الأول في بناء التنظيم الهيكلي لجيش التحرير الوطني غداة انعقاد مؤتمر الصومام حيث استمد من طعم الكفاح فلسفة التحرر و راح بحدس عجيب يقرأ كف الزمن و يرسم معالم جزائر ما بعد الاستقلال على حد تعبيره (( تلكم الثورة التي تهيء جزائر الغد الديمقراطية و تتيح لكافة أبنائها أن يعيشوا أحرارا سعداء متحدين، لا فرق و لا ميز بينهم إلا ما يقع نتيجة الاستحقاق و الإخلاص)).
و من هنا يتضح بأن شهيدنا كان في غمار معركة التحرير الكبرى يفكر في سيادة الوطن و سعادة أبنائه مدركا شروط الحياة الكريمة و هو بذلك يستحق أن نعتبره رائد الديمقراطية الثورية بدون منازع، أليس هو القائل ((والشعب الجزائري يحمل السلاح مرة أخرى ل"رد المحتل الاستعماري، و ليتخذ لنفسه حكومة على شكل جمهورية ديمقراطية اجتماعية و يقيم نظاما يحتوي بوجه خاص على إصلاحات فلاحية عميقة و يضمن السلام في المغرب العربي)).
و مع تعاقب مراحل الكفاح المسلح و اشتداد لهيب المعارك الفاصلة التي كان وقودها باستمرار خيرة أبناء الجزائر، فإن نشاط بن مهيدي بات يقض مضجع الأعداء. أولئك الذين أخذ منهم الذهول كل مأخذ خاصة عندما بدأ انتشار الثورة يمتد إلى قلب المدن الجزائرية.. فيالها من مفاجئة سادت سماء الجزائر العاصمة حين وضع العدو يده على مخبأ بن مهيدي و يلقي البوليس الاستعماري عليه القبض عقب إضراب الثمانية أيام ليدخل البطل رحلة التعذيب الجهنمي تحت رعاية جلاده السفاح بيجار و طوال فترة الاستنطاق و التعذيب لم تفارق البسمة محيا الرجل الهادئ حتى صار بالنسبة لجلاديه الفرنسيين لغزا محيرا يستعصى معرفة كنهه، و لعل تفسير ذلك أنه كان عظيما أمام جبروت الآلة الجهنمية، قاوم صهيد الحديد و النار متطلعا نحو نشوة الانتصار و قبيل استشهاده يوم الرابع مارس من عام 1957 ترك وصية خالدة خلوده :(( إننا سننتصر لأننا نمثل قوة المستقبل الزاهر)).

الشهيد ديدوش مراد
يعتبر الشهيد البطل ديدوش مراد من أوائل قادة الثورة الذين سقطوا في ميدان الشرف، في وقت مبكر من اندلاع شرارة الكفاح المسلح في الشمال القسنطيني (الولاية الثانية) و بموجب إحياء ذكرى استشهاده (ارتأينا معرفة شيئا عن ماضيه السياسي و دوره النضالي منذ قيام مظاهرات الثامن ماي 1945 إلى غاية فاتح نوفمبر 1954 من أحد رفقائه في النضال المجاهد أحمد عاشوري المدعو أحمد (الكوردوني) الذي يتذكر قائلا:
(( تعرضت على ديدوش مراد عام 1947 تاريخ انخراطي في المنظمة السرية، و كان يعرف باسم (سي عبد القادر) و في إطار التنظيم السري كنا نتلقى عنه دروسا متنوعة في الأساليب الحربية و بخاصة فيما يتعلق بالوسائل التي بإمكاننا استخدامها لعدم البوح بأية أسرار لحظة مواجهة فنون التعذيب، و كان غالبا ما يحثنا (سي عبد القادر ) على تحمل المسؤولية في جميع الأوقات، و كنا حوالي (35) منخرطا في التنظيم السري وحسبما هو سري المفعول داخل النظام أن ينقسم المناضلون على أفواج يضم كل فوج (5) مناضلين يشرف عليهم مناضل سادس، و كانت تدريباتنا على استخدام مختلف الأسلحة من أهم الدروس التي كنا نتلقاها من (سي عبد القادر)، و كنت أول من اتصل به مع الأخ ((تيلي سعد)) في منزل هذا الأخير بمعمل العجين ((سكيكدة)). كما كان ((سي عبد القادر)) يتردد علي باستمرار بالاسكافية محل عملي الكائن بجوار الاتحادية -حاليا- و في كل مرة يجيئني فيها يكون متنكرا بملابس عامل بسيط و حاملا بين يديه شيئا ما -كماشة مثلا- و ما يبديه الشهيد من حالات متغايرة يقصد منه عدم انتباه السلطات الاستعمارية لما كان يقوم به من دور كبير في التنظيم السري..

و مع أواخر عام 1949 و قبل أن تكتشف الإدارة الاستعمارية مخطط التنظيم السري - الذي كان من المقرر أن تقوم إثره الثورة في سنة 1950 

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا